الخميس، 24 مايو 2012

الفصاميون.. ضحايا للعنف وليسوا سبباً للعنف..!

  إشراك الاطباء والاختصاصيين النفسيين في مقاومة ومنع العنف والإرهاب قد يكون مفيداً في دراسة الحالات التي تستدعي العلاج ويمكن إيقافها عن التوّغل في الافكار المنحرفة ضمن المؤتمر الأمريكي 165 للجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين والذي عُقد في مدينة فلادلفيا في ولاية بنسلفانيا ، كان هناك جلسة ، تسمى الجلسة الرئاسية ، نظراً لاشتراك رئيس الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين الدكتور جون أولدهام ، شارك في هذه الجلسة كمتحدث رئيس البروفيسور بيتر بوكلي ، رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب في جورجيا. وكذلك شارك في الجلسة كل من الدكتورة سو بيللي والدكتور دنيش بوقرا. كانت الجلسة بعنوان "دور الأطباء النفسيين في منع العنف على المستوى الوطني ، والمجتمع والأشخاص". 

البروفيسور بيبر بوكلي ، قال بأن الاعلام – التلفزيون و السينما – ينقل صوراً غير حقيقية عن المرضى النفسيين ، و خاصة مرضى الفُصام والذين كثيراً ما يُنسب اليهم القيام بجرائم خطيرة ، وهذا ما يجب على الأطباء النفسيين أن يُرسلوا رسالة من خلال هذه المؤتمرات عبر الإعلام بوسائله المختلفة. وقال البروفيسور بوكلي بأن بعض مرضى الفُصام يقومون بعمليات عنف ولكن يظل هذا العمل يخص فئة محدودة من مرضى الفُصام. وأضاف البروفيسور بوكلي بأن على الاطباء أن يكونوا واضحين في رسائلهم إلى المجتمع والمسؤولين عن قضية العنف ضد المرضى الفُصاميين على وجه الخصوص ، لأن مرضى الفُصام أكثر ما يكونون عرضة هم لأن يكونوا ضحايا للعنف. 

في كل مكان من العالم ، هناك اعتقاد خاطئ بأن المرضى النفسيين ، وخاصة مرضى الفُصام بأنهم خطرون ويقومون بأعمال عنف خطيرة ، ولكن الحقيقة هي أن نوعا واحدا من أنواع الفُصام هم من يقومون بهذه الأعمال العنيفة والخطيرة. ولكن الدراسات التي أجريت على المساجين الذين قاموا بجرائم خطيرة ويقبعون في السجون ، ولم يجدوا هناك أي فارق بين المرضى النفسيين والأشخاص العاديين الذين لا يُعانون من أي اضطرابات نفسية ، وأثبتت هذه الدراسات بأن المرضى النفسيين لا يقومون بجرائم خطيرة أكثر من الأشخاص العاديين. 

كما ذكرنا سابقاً بأن هناك بعض المرضى النفسيين وخاصة حالات معينة من مرضى الفُصام تقوم بجرائم خطيرة ، ويكون هؤلاء المرضى تحت تأثير الأعراض النشطة لمرض الفُصام ، وهؤلاء المرضى هم الذين يجب على المسؤولين أن ينتبهوا لهم ويجب علاجهم قبل أن يقوموا بمثل هذه الجرائم الخطيرة. علاج مرض الفُصام يحتاج إلى أدوية قد تكون باهضة الثمن أحياناً ولا يستطيع الأهل دفع ثمن هذه الأدوية لذلك يقع على عاتق الجهات الصحية أن تؤمن مثل هذه الأدوية التي يعجز عنها الأهل ، خاصةً ذوي الدخل المحدود. 

مريض الفُصام يُشكل أحياناً خطراً على نفسه ، فحوالي 10% من مرضى الفُصام ينتحرون ، وخاصةً عندما يبدأ المريض في التحّسن ويرى أن مستقبله مظلم وليس ثمة ضوء في آخر النفق الذي يسير فيه. نعم مريض الفُصام يشكّل عبئاً على من يعيش معهم ، وفي بلادنا فإن الأهل دائماً يكونون هم من يعتنون بابنهم المريض ، وهذا يضع ضغوطاً نفسية كبيرة على الأهل ، حيث أنه لا توجد دور للتأهيل لمرضى الفُصام أو حتى أي من الأمراض العقلية الاخرى التي تحتاج إلى أن يكون هناك دور للتأهيل لتحسين المستوى العقلي وكذلك تطوير المهارات الاجتماعية والسلوكية للمرضى النفسيين. 

هناك دور في بعض مدن المملكة لمساعدة المرضى تُعرف ببيوت الإخاء ، وهي فكرة جيدة ولكنها دور قليلة ، إذ لا يوجد سوى بضعة بيوت وعدد الأسرة قليل لا يكفي للأعداد الكبيرة من المرضى الذين يحتاجون لمثل هذه الأماكن. 

لقد فقدت خلال عملي كطبيب عددا من مرضى الفُصام ، إما عن طريق أنهم عرضوا أنفسهم للخطر أو أنهم قاموا بإنهاء حياتهم بأنفسهم نتيجة مرضهم بمرض الفُصام. وفي نفس الوقت قام بعض من المرضى الذين أعرفهم والمصابون بمرض الفُصام ، وكثير من الأطباء النفسيين الذين عملوا لسنواتٍ طويلة مرّ عليهم مثل هذا الأمر. 


من الأمور التي بحثها المشاركون في مؤتمر الجمعية الأمريكية هذا العام والذي ذكرنا أنه أقيم في مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا الأمريكية ، قضية الإرهاب ؛ وهي قضية باتت الآن تُشكّل موضوعاً مهماً في الطب النفسي ، وأصبح يُناقش هذا الموضوع المهم ، الذي هو الارهاب وعلاقته بالمرض النفسي أو الاضطرابات الشخصية.

 كانت هناك بعض المناقشات حول تعريف الإرهاب والمصادفة ، كانت هناك مناظرة بين شخص فلسطيني وآخر أسرائيلي و رؤية كل منهما حول موضوع الإرهاب وكيف ينظر الفلسطيني إلى ما يقوم به المقاومون الفلسطينون ورؤية الاسرائيلي لهؤلاء من وجة نظر مغايرة عما يراه الفلسطيني ، وكذلك رؤية الفلسطيني لما تقوم به السلطات الاسرائيلية ضد الفلسطينين ، وعكس ذلك رؤية اليهودي لما تقوم به الحكومة والجيش الاسرائيلي تجاه المواطنين الفلسطينين ، حيث يرى الأخير بأن ما تقوم به الحكومة الاسرائيلية هو دفاع عن النفس ضد المخربين الفلسطينين ( كما يصفهم الاسرائيلي) بينما يرى الفلسطيني بأن ما تقوم به القوات الاسرائيلية هو إرهاب ممنهج ضد شعب أعزل يقاوم محتلين جاءوا من كل مكان واحتلوا أرضه. 

الإرهاب أصبح موضوعا ساخنا على كل المؤتمرات بدءًا من السياسية والاقتصادية مروراً بكل المؤتمرات المختلفة ، حتى وصل إلى مجال الطب النفسي وأصبح موضوعاً مهماً وأصبح الأطباء النفسيون يتحدثون عن الإرهاب من ناحية نفسية ، وطبعاً هناك الاختصاصيون النفسيون الذين أيضاً لهم رأي مهم في موضوع الإرهاب من ناحية نفسية. 

المشكلة الآن اصبح الإرهاب ظاهرةً عالمية، وإن كان الصاق تهمة الإرهاب - للاسف الشديد- بالإسلام والمسلمين بشكل كبير ، برغم أن هذا الأمر ينقصه كثير من الواقعية ، وأن الإرهاب كما عانت منه الدول الغربية فقد عانت كذلك منه دول إسلامية كثيرة مثل باكستان والمملكة العربية السعودية ومصر ودول عربية واسلامية اخرى اكتوت بنار الإرهاب ، لذلك من الخطأ أن تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين. 

سيكولوجيا الإرهاب الآن أصبحت محط اهتمام علماء النفس والاجتماع والإنثروبولوجيا بالإضافة طبعاً إلى المختصين في علم الجريمة ومختلف العلوم التي تهتم بالارهاب ولها علاقة من قريب أو بعيد بهذه الظاهرة الخطيرة والتي تواجدت على مدى التاريخ لكن الآن أصبح الأمر أكثر جدية وأصبحت الحكومات تهتم اهتماماً بالغاً في هذا الموضوع. 

قد يكون هناك علاقة بين الاضطرابات النفسية والارهاب ، ولكن ليس هذا هو السبب الرئيس في الإرهاب ، فغسيل الأدمغة التي يقوم بها المفكرون والذين لهم الدور الكبير في تغيير المفاهيم إلى العنف والإرهاب. كثيراً ما تبدأ قضايا غسل الأدمغة من المرحلة الابتدائية و المتوسطة ويستمر بعد ذلك في المراحل الثانوية والجامعية.، وهذا ما يخلق أشخاصا في سن مبكرة يقعون ضحايا هذا الفكر الضال ويُصبحون وقوداً للإرهاب ، وللاسف هذا ما وقع فيه شباب كثيرون من أبناء المملكة في فترةٍ سابقة من الزمن ، حيث ارتبطوا بمواقف إرهابية في كثير من العمليات في مختلف انحاء العالم وبلغ هذا الأمر ذروته في ما حدث في أحداث 11 سبتمبر ، والتي جعلت بلادنا في موقف غير مريح. 

هل يمكن المساعدة في الحد من العنف والإرهاب؟ 

ربما يكون هناك بعض المساعدة التي يمكن أن تقدمها الخدمات النفسية في مجال العنف و الإرهاب. فثمة بعض الاضطرابات النفسية التي قد يُعاني منها الشخص ، وتكون لها علاقة بالعنف ، مثل بعض أنواع مرض الفُصام ، وخاصة عندما لا يتم علاج مرض الفُصام فإن خطورة أن يقوم مثل هذا الشخص ببعض الأعمال العنيفة وربما دخل في مجال الإرهاب ، نظراً لأنه يكون خامة جاهزة تماماً لأن يقوم بالأعمال الإرهابية ، وهنا تكمن خطورة هذا الأمر. 

ويعرف بعض الذين يُجندون الأشخاص للعمليات الإرهابية ، الرجال والنساء المضطربين نفسياً والذين لديهم استعداد كامل للقيام بالعمليات الإرهابية سواء أكانت عمليات انتحارية أم عمليات إرهابية دون قتل الشخص نفسه. أيضاً بعض الأشخاص الذين يُعانون من بعض الاضطرابات الشخصية ، خاصة الشخصية المضادة للمجتمع والتي يميل الأشخاص الذين يُعانون من هذا الاضطراب إلى القيام بأعمال مضادة للمجتمع ، وأيضاً هذا الاضطراب في الشخصية يصعب علاجه ولكن يمكن تحديده ومعرفة توجهه ومراقبته 

 خاصةً إذا بدر منه ما يُشير إلى أن اضطراب الشخصية بالجانب العنيف، والذي يكون غالباً مع هذا النوع من اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع. علاج الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع يكون بالعلاج النفسي السلوكي- المعرفي أو في بعض الأحيان يمكن أن يتم العلاج بالأدوية ( العقاقير النفسية) ، ولكن نسبة التحسن في الاشخاص الذين يُعانون من الاضطراب في الشخصية المضادة للمجتمع ضعيفة ، لذا يجب مراقبة من يظهر لديه الميل العدواني والعنف تجاة الممتلكات العامة وتخريب هذه الممتلكات. 

العلاقة بين الاضطرابات النفسية والإرهاب والعنف ليس بالضرورة أن يكون الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية هم أكثر إرهاباً أو عنفاً من الأشخاص العاديين ولكن ثمة بعض الاضطرابات النفسية أو العقلية او الاضطرابات الشخصية لها علاقة بما يعرف بالإرهاب أو العنف. ولكن في كثير من الأوقات يكون المرضى النفسيون والعقليون هم ضحايا للعنف ، وهذه رسالة يجب أن تصل إلى عامة الناس الذين يعتقدون بأن الاضطرابات النفسية أو العقلية هي من اسباب العنف والإرهاب. إشراك الاطباء النفسيين والاختصاصيين النفسيين في عمليات مقاومة ومنع العنف والإرهاب قد يكون مفيداً في دراسة الحالات التي تستدعي العلاج ويمكن إيقافها عن التوّغل في العنف والإرهاب. 

إن الإرهاب والعنف أصبحت الآن ظاهرة عالمية ويجب أن يُبيّن بأن لا علاقة للمسلمين والدين الإسلامي بتنامي هذه الظاهرة الخطيرة والصاق بعض الدول الغربية الإرهاب والعنف بالمسلمين وبالدين الاسلامي ، فالإرهاب ليس مرتبطاً بدينٍ معيّن ، ففي جميع الأديان هناك من يقوم بالإرهاب والعنف ، ففي الدين المسيحي هناك ارهابيون وفي اليهودي وفي البوذي وفي جميع الاديان هناك من يقوم بالعنف والإرهاب.