ج: يطرح خبراء الصحة العامة على أنفسهم نفس هذا السؤال، خصوصا مع وجود أعداد كبيرة من الأميركيين المعانين من زيادة الوزن أو السمنة. وما دام من الصعب على الناس اتباع نصيحتين بسيطتين هما: «تناولوا غذاء صحيا»، و«مارسوا قدرا أكثر من الرياضة»، فإن الخبراء يرون أن للطعام بعض خصائص الإدمان. ولكن ومع ذلك فإن الحس السليم يتطلب منا أن نضع أنواع الطعام - ومنها الشوكولاته - في صنف آخر غير الصنف الذي يقع فيه الهيروين أو الكحول.
عناصر الإدمان
*الإدمان يشمل وجود 3 عناصر حيوية: التوق الشديد جدا (لشيء ما)، وفقدان السيطرة على النفس أمام ذلك الشيء، والاستمرار في تعاطي ذلك الشيء رغم العواقب الخطيرة المترتبة على ذلك. وتبين النتائج الأولية أن هذه العناصر الـ3 قد تظهر لدى الناس عندما يتعلق الأمر بتناول الطعام.
دعنا نتأمل في عنصر التوق الشديد (craving)، على سبيل المثال، فللأفراد المدمنين على شيء ما مثل الكحول أو التدخين، يصبح وجود موقع ما في ما حولهم، مثل مقصف أو باحة للتدخين، محفزا على التوق الشديد للشيء المدمَن عليه. وعلى نفس المنوال فإن الكثير من الناس يشعرون بأن وجود الطعام يثير الشهية حتى ولو كانوا قد تناولوا وجبة طعام مشبعة حديثا.
ولعل حديث صديقك حول «الإدمان على الشوكولاته» تذكير لنا بأن ليس كل الأطعمة تحفز على الإدمان. فقد سمعنا عن تسلل البعض في منتصف الليل لتناول كأس من الآيس كريم (البوظة)، لكننا لم نسمع قط بتسلل آخرين لتناول شدة من الكرفس مثلا في تلك الساعة! وهذه الملاحظة تتوافق تماما مع الأبحاث التي تظهر ما يتوقعه الإنسان من الأطعمة التي تقود إلى الإدمان، فالأطعمة الغنية بالدهون وبالكربوهيدرات تحفز مواقع المكافآت في أدمغة الحيوانات، كما أن الحد من هذه الأطعمة قد يحفز على توليد ردود فعل مشابهة للتوتر لدى بعض الحيوانات التي خضعت للاختبار.
«إدمان» الشوكولاته
* الشوكولاته التي تحتوي على كل من السكر والدهون، غالبا ما توظف في الدراسات على الإدمان الغذائي، ففي دراسة نشرت في «أرشيفات الطب العقلي العام» مثلا طلب باحثون من جامعة يل الأميركية من متطوعين ملء استمارات بهدف تقييم السلوك الإدماني. ثم خضع المتطوعون إلى تصوير للدماغ لدى رؤيتهم وشمهم مشروب الحليب بالشوكولاته، ثم لدى تناولهم إياه.
ولوحظ أن الأشخاص الذين سجلوا درجات أعلى في سلم الإدمان الغذائي، ظهر لديهم ارتفاع في نشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم التوق الشديد والمكافآت عندما قدم لهم مشروب الحليب بالشوكولاته. وحالما يقومون بشرب المشروب حتى تقل لديهم النشاط بشكل ملحوظ في مناطق الدماغ التي نستخدمها للتحكم في دوافع البحث عن المكافآت. وقد لوحظ نفس نسق نشاط الدماغ هذا على الأشخاص المدمنين على المخدرات.
وفي دراسة أخرى - شملت تعاطي الحلوى - توصل باحثون من جامعة دريكسيل إلى أن الأفراد مروا بردود فعل نفسية عندما تناولوا الشوكولاته - مثل السرور البالغ والتوق الشديد لتناول المزيد - وهي مشابهة للمشاعر التي تحدث عند تناول المخدرات.
التوتر والإدمان
* وقد تم اعتبار مرض السمنة يوما ما بوصفه تجسيدا لكل العناصر الرئيسية للإدمان. فالكثير من الأشخاص البدينين يتوقون بشدة إلى الطعام، ويفقدون السيطرة على أنفسهم عند تناول الطعام، ويعانون من تأثيرات صحية سيئة لا تثنيهم مع ذلك عن سلوكهم.
كما أن تأثير التوتر على تناول الطعام هو رابط آخر بين الغذاء والسلوك الإدماني، فالأشخاص الذين تحرروا من الإدمان يتجهون للوقوع مرة أخرى في فخه عند تعرضهم للتوتر - وهذا يحدث جزئيا بهدف الحصول على الراحة التي كانوا يتمتعون بها عندما كانوا يتناولون الكحول، أو يدخنون، أو يتعاطون المخدرات. وبنفس الطريقة، فإن التوتر غالبا ما يقود الأفراد إلى التخلي عن نظام حميتهم الغذائية.
فروق الإدمان
* ورغم هذه التشابهات المثيرة للحيرة فإن هناك - مع ذلك - فروقا قوية بين الإدمان على المخدرات والغذاء. والفرق الواضح أكثر من غيره هو أن الغذاء ضروري لديمومة الإنسان، بينما المخدرات المؤدية للإدمان ليست كذلك. وهذا ما يجعل العلاج تحديا أيضا، إذ ليس بالإمكان التخلي عن الطعام! وإضافة إلى ذلك، فإن على الباحثين أن يعثروا على عناصر الغذاء المؤدية إلى الإدمان. فإن كنا نعرف مثلا أن النيكوتين في السجائر يتسبب في حدوث الإدمان، فإننا لا نعرف ما هو الشيء الذي يوجد في الشوكولاته الذي يتسبب في الإدمان. وتبدو الدراسات التي أظهرت كيفية استجابة أدمغة الحيوانات عند تناول السكر والدهون مهمة، إلا أنها لم تتوصل إلى نتائج حاسمة.
وإن كان «الإدمان على الشوكولاته» موجودا أم لا، فإن على أغلبنا أن يتوقف عند نصيحة بسيطة ولكنها مخيبة للآمال، وهي أن علينا تناول الغذاء باعتدال. إذ إن صحتنا تعتمد بدرجة أقل على ما نطلق عليه «سلوكنا»، مقارنة بما يجب أن نوجه الاهتمام إليه، وهو المئات من الخيارات الصغيرة، والمهمة، التي يجب علينا اتخاذها كل يوم.
* طبيب، رئيس تحرير رسالة هارفارد للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا»
الشرق الاوسط