الخميس، 24 مايو 2012

عدوى الأمعاء.. تصبح مرضا خطيرا يهدد الحياة

   يتزايد عدد الوفيات في الولايات المتحدة بسبب أمراض الأمعاء، حتى باتت تمثل تهديدا، خاصة بالنسبة لكبار السن، حسب البيانات الجديدة. وأصبح من الصعب قتل بكتيريا «كلوستريديوم ديفايسيل» C. difficile التي باتت أكثر شراسة. وتضاعف عدد الذين يتوفون نتيجة الإصابة بأنواع العدوى منذ عام 1999 إلى عام 2007 حتى تجاوز الـ17 ألفا سنويا، حسب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وكان 83 في المائة من الوفيات ممن تجاوزوا الخامسة وستين عاما.

عدوى معوية

* وكانت بكتيريا «كلوستريديوم ديفايسيل» السبب وراء ثلثي حالات الوفاة التي تنتقل إليها العدوى في أغلب الأحوال من المستشفيات ودور الرعاية، خاصة عند تناول مضادات حيوية. وبات هذا النوع من البكتيريا أكثر شراسة ومقاومة للعقاقير خلال السنوات القليلة الماضية.

إلا أن الباحثين ذهلوا عند اكتشافهم أن السبب الرئيسي الثاني وراء حالات الوفاة بالأمراض المعوية هو الإصابة بفيروس «نورو» norovirus أو ما يعرف بفيروس الشتاء، الذي يؤدي للإصابة بمرض ينتقل من شخص للآخر بسهولة، أحيانا يسمى «قيء الشتاء»، والذي يمكن أن ينتشر سريعا على متن السفن وفي السجون ومساكن الطلبة والمستشفيات.

وقال أرون هول، اختصاصي الأمراض الوبائية في مراكز الأمراض: «أعتقد أن هناك اعتقادا شائعا خاطئا بأن فيروس الشتاء يؤدي للإصابة بمرض غير خطير. ويشير هذا إلى مشكلة كبيرة ينبغي الانتباه إليها».

وينتقل كلا المرضين عن طريق البراز ومنه إلى الفم، وهو ما يعني أن الجراثيم التي توجد في البراز عادة ما تنتشر عن طريق الناس الذين لا يغسلون أيديهم بعد دخول الحمام.

بكتيريا شرسة

* مشكلة هذه البكتيريا ليست بالجديدة، حيث كان مسؤولو وزارة الصحة هم أول من حذر عام 2004 من انتشار سلالة أكثر شراسة وقدرة على مقاومة العقاقير منها لقدرتها على إفراز نوعين من السموم القوية التي تستطيع إحداث فوضى في الخلايا التي تبطن جدار الأمعاء.

ومع ذلك لم يتوقع سوى القليل منهم قدرات هذه البكتيريا. وارتفع عدد المرضى المسجلين المصابين بهذه البكتيريا من 139 ألفا عام 2000 إلى 336 ألفا عام 2009. وارتفع عدد الوفيات على مدى السنوات القليلة الماضية، لكن الباحثين يقولون إن هذا المعدل مرتفع للغاية وسينخفض بالتأكيد مثله مثل الأمراض الأخرى التي ترتبط بالمستشفيات. وتصل تقديرات الحالات غير المسجلة إلى 3 ملايين سنويا. 

وتبلغ تكلفة مكافحة هذه العدوى بوجه عام مليار دولار سنويا، حسب تقديرات مراكز الأمراض.

هناك عاملان يؤديان إلى الإصابة بهذا المرض، إذ يقود تناول المضادات الحيوية إلى جعل الأمعاء أكثر عرضة للإصابة، وهو ما يعقبه التعرض للبكتيريا أو آثارها في مستشفى أو عيادة أو دار رعاية لم يتم تطهيرها كما ينبغي. ويمكن أن تظل أسابيع أو ربما أشهرا خارج الجسم، ويلزم لقتلها مطهر للبكتيريا.

تعافى الكثيرون من هذا المرض بمجرد توقفهم عن تناول المضادات الحيوية، لكن تفاقمت حالة البعض الآخر وتطلبت علاجا بمضادات حيوية مختلفة، وحتى عندها حدثت انتكاسة لـ20 في المائة من تلك الحالات، ويعاني البعض من خلل في الأمعاء يمكن أن يتطور ليصبح خطيرا أو يستدعي إجراء عملية جراحية لاستئصال جزء من الأمعاء.

على مدى السنوات القليلة الماضية، تم زرع براز شخص سليم داخل أمعاء بعض المرضى من أجل استعادة التوازن الطبيعي للبكتيريا المتنوعة التي توجد داخل الأمعاء، والتي يتراوح عددها ما بين 25 ألفا إلى 30 ألف نوع مختلف. ولا توجد طريقة أفضل من تلك الطريقة على الرغم من أنها مقززة، حيث نجحت في علاج حالات مستعصية.

ويقول الدكتور كليفورد ماكدونالد، اختصاصي الأمراض الوبائية في مراكز الأمراض: «لقد سبقتنا الميكروبات إلى الوجود، فأجسادنا تعلمت على مر العصور كيفية إبعاد البكتيريا الضارة عنها». 

وعبر مسؤولو الصحة عن حنقهم، مؤكدين إمكانية الوقاية من الإصابة بتلك العدوى، وأن الكثير من الحالات قابلة للعلاج على الرغم من استمرار تزايد أعداد الوفيات بسبب هذا المرض حيث وصلت إلى معدلات غير مسبوقة.

ونظرا لأن العدوى بهذا النوع من البكتيريا، وبالتحديد في 94 في المائة من الحالات، تنقل من المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية الأخرى، فإن الخبراء يقولون إن على الأطباء والممرضين والعاملين الآخرين في مجال الرعاية الصحية تحمل الجانب الأكبر من مسؤولية مكافحة المرض.

درء العدوى

* وتبدأ العدوى في المستشفى، والباقي لدى المرضى الذين يتلقون الرعاية في المنزل أو الذين تلقوا علاجا مؤخرا في عيادات خاصة للأطباء. وكثيرا ما ينقل المرضى الجراثيم من مكان إلى آخر. وتفيد إجراءات النظافة البسيطة، مثل تنظيف الأسطح بمادة مطهرة، وارتداء ملابس خاصة وقفازات عند علاج شخص مصاب بالعدوى لتفادي نقل الجراثيم إلى مرضى آخرين.

ومن أكثر الحقائق المثيرة للإزعاج وللاشمئزاز صعوبة إزالة هذه البكتيريا من الأيدي العارية مهما استخدمت من صابون أو مياه أو منظفات كحولية؛ لذا من الأفضل للعاملين في مجال الرعاية الصحية ارتداء قفازات لتفادي تلوث أيديهم منذ البداية، على حد قول ماكدونالد. كذلك أشار ماكدونالد إلى دراسة حديثة عن المستشفيات في الولايات المتحدة التي تنظم برامج من أجل مقاومة هذه البكتيريا أكدت إمكانية الحد من معدلات الإصابة بهذا النوع من البكتيريا بنسبة 20 في المائة في غضون عامين. ونجحت بريطانيا في خفض معدلات الإصابة بمقدار النصف.

ومن الضروري عدم تناول المضادات الحيوية إلا عند الحاجة، حيث يزداد احتمال تعرض من يتناولونها لمدة تزيد على الشهر للإصابة بهذه البكتيريا عن الآخرين بما يتراوح بين 7 و10 أمثال. ويرتفع احتمال الإصابة خلال الشهرين التاليين إلى ثلاثة أمثال، حسب مراكز الأمراض. ولا يمكن تفادي خطر الإصابة بهذه العدوى في الحالات الشديدة التي تستدعي تناول مضادات حيوية، لكن نصف المضادات الحيوية التي توصف للمرضى في الولايات المتحدة غير ضرورية، مما يعرض المرضى لخطر بلا ثمن، على حد قول خبراء.

مع ذلك ما سبب شراسة هذه البكتيريا؟ يرجح دكتور ماكدونالد أن الشراسة تكون ضرورة عندما يتعلق الأمر بالتطور والوجود. الجراثيم اللطيفة هي آخر الجراثيم التي تموت، في حين تنتشر الجراثيم الخبيثة أكثر فأكثر وتصيب عددا كبيرا من الناس، وتدخل في منافسة شرسة، وهو ما يفيد نظرية التطور. وقال: «السلسلة الأكثر نجاحا هي التي يتم اختيارها».

فيروس الشتاء ويوضح هول، اختصاصي الأمراض الوبائية، الذي كان تقريره أول تقرير يكتشف عن أن الفيروس أصبح ثاني أهم سبب يؤدي إلى الوفاة بسبب مرض الالتهاب المعدي الأمعائي، أن اكتشاف فيروس الشتاء لم يكن بالأمر المفاجئ، حيث تؤدي الإصابة بهذا المرض إلى وفاة نحو 800 شخص سنويا في الولايات المتحدة، لكن يزداد هذا المعدل بنسبة 50 في المائة عندما تظهر سلالات جديدة. ويصاب نحو 20 مليون شخص سنويا في الولايات المتحدة بفيروس الشتاء.

ويمكن أن ينتشر الفيروس سريعا في دور الرعاية أو مسكن طلبة، ويمكن أن تسبب بضع جزئيات المرض. وقال هول: «ينشر الشخص المريض مليارات الفيروسات في كل غرام من البراز. ويمكن أن يعرض شخص واحد عددا كبيرا من الناس لخطر الإصابة بالمرض سريعا». وفترة حضانة المرض قصيرة، ويمكن أن يعيش الفيروس لأيام أو أسابيع على الأسطح وتساعده البرودة على البقاء.

ويعد كبار السن أكثر عرضة للمعاناة من المرض والوفاة بسببه، سواء نتيجة الإصابة بالجفاف أو التهاب ذات الرئة الارتشافي aspiration pneumonia الناجم عن استنشاق القيء.

وقال هول: «ويعد ثاني أكبر معدل وفاة لدى الأطفال دون الخامسة». عندما يتوفى الأطفال من العدوى غالبا ما يكون ذلك نتيجة الجفاف الذي يمكن أن يؤدي إلى صدمة أو مشكلات في القلب. وقال هول إن عدد الوفيات السنوي من الأطفال نتيجة هذه الإصابة بفيروس الشتاء يبلغ 27 وفاة، حسب تقديراته هو وزملائه، وهو عدد يكافئ وفيات الأطفال نتيجة فيروس آخر يصيب الأمعاء، هو فيروس الروتا، الذي يوجد مصل للوقاية منه حاليا. ويحاول الباحثون أن يتوصلوا إلى مصل لفيروس الشتاء، على حد قول هول، في حين يقول العلماء إن أمصال أنواع العدوى المختلفة التي تصيب الأمعاء من أصعب الأمصال التي يمكن التوصل إليها.