الأربعاء، 6 يونيو 2012

"ذي تيدنغر" الأميركية: اقترض الحياة من الموت لينقذ ملايين البشر

تأخر تخليد ذكرى البروفيسور اللبناني الراحل سمير حسين الشعار، منذ العام 1972، لتتذكره بلدته عيناب (في قلب جبل لبنان) قريبًا بحفل لمناسبة إزاحة الستار عن نصب أقيم له أخيرًا في مسقط رأسه. وقد ساهم الشعار، في تخفيف معاناة الملايين من البشر على مستوى العالم، بفضل توصله في مطلع السبعينات من القرن الماضي، إلى الكُليَة والقلب الصناعيين، ولكن ما يدعو للاستغراب أننا لم نر مجرد إشارة صغيرة تُسلِط الضوء على ما ابتكر واخترع في سبيل الإنسانية جمعاء.

وما يميز الشعار، عن سائر المخترعين اللبنانيين والعرب أنه أنجز جلّ أبحاثه وهو تحت وطأة المرض الشديد، ما دعا بعض الدوريات العلمية الأميركية لتقول:"إن الشعار كان يقترض بعض الوقت من الموت ليحقق أهم إنجازاته العلمية".

تذكره بلده  لبنان مرة واحدة عام 1972، وأقام له احتفالاً في ذكراه برعاية رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية، ومنذ ذلك التاريخ طوى لبنان صفحة مضيئة من تاريخه الحديث، وأتت الحرب الأهلية لتحول دون استكمال مراسم التكريم عبر إطلاق اسم الراحل على شارع أو تخصيص جائزة باسمه لأفضل بحث علمي.

وحدها، بلدته عيناب (في قلب جبل لبنان) ومجلسها البلدي تذكرته بعد أن نفضت عنها غبار وركام الحرب، فأقامت نصباً تذكارياً عند مدخل بلدته، حتى أن كثيرين راحوا يتساءلون: من هو سمير الشعار؟.  ولعل الاحتفال الذي ستقيمه البلدة والمجلس البلدي قريبًا لمناسبة إزاحة الستار عن نصبه التذكاري سيجيب عن هذا السؤال.

وفي تصريح لـ"العرب اليوم"، قال رئيس البلدية فؤاد الشعار:" إن الاحتفال سيقام قريبا، بعد أن حالت ظروف الحرب منذ العام 1975 دون إقامة مراسم الاحتفال والتكريم التي يستحقها ابن عيناب البار"، مؤكدًا أن "المجلس البلدي قرر إقامة هذا النصب وتم الانتهاء من إنجازه وفق تصميم هندسي لائق"، مضيفًا:" كان طموحنا أن يكون الراحل حاضرا على امتداد وطنه لبنان".

لأن مصادر المعلومات غير متوفرة عن الراحل، تمكن "العرب اليوم" من جمع بعض المعلومات من الذين شاركوا في مناسبة التكريم الأولى سنة 1972، فقد كانت الكُليَة الصناعية أول اختراعات الدكتور سمير الشعار، وذلك يرجع إلى أنه كان يعيش مع آلة الغسيل الكلوي نحو 20 ساعة أسبوعيًا، وكان يرى أن ذلك يأخذ وقت المريض كله فلا يترك له وقتاً كافياً للعمل وللراحة، فانكب على دراسة الجهاز الذي يجلس أمامه هذا الوقت الطويل، وكشف حسناته ومشاكله وخرج من دراسته باختراع جهاز اقل تعقيدا وأكثر فائدة، بنى عليه موضوع أطروحة الماجستير التي حصل عليها بتفوق. وقد سُجِل له هذا الابتكار، الذي يعتبر إنجازا كبير الأهمية في مساعدة مرضى الفشل الكلوي، وما أكثرهم في عصرنا هذا.


http://www.arabstoday.net/images/stories/november2011/images1(17).jpg
القلب الاصطناعي

بعد ابتكاره الكُليَة الصناعية انصرف الشعار، إلى تحقيق إنجاز علمي آخر أكثر أهمية في نظر الإنسانية جمعاء، وهو "القلب الصناعي" معللا السبب الذي دفعه إلى ذلك، رغم حالته المرضية المنهكة، بقوله: "أنا مدين لأولئك الذين يقدمون لي من دمائهم ما يحفظ الحياة في عروقي، وهم كثر.. يعدون بعشرات الآلاف، فإلى قلوبهم الكبيرة التي تقدم لي ولمن هم مثلي هذا العون السخي، يجب أن اهدي ما يترجم لهم شعوري بالامتنان والشكر والتقدير".

ويقول جوابا على سؤال وجه إليه بصدد محاولته هذه: "إني منصرف إلى إيجاد المادة التي يمكنها أن تعمل 24 ساعة بدقة وانتظام ولا يطرأ عليها أي تغيير يعرضها للتلف".
وقد وجد الشعار، ضالته وأنجز اختراعه وأعطى العالم القلب الصناعي ليكون البديل الملائم للقلب الطبيعي في حالة عزله عن العمل عند تدخل الجراحة.

ليس بالإمكان وصف ما أنجزه الدكتور سمير حسين الشعار اللبناني المولد والنشأة، وهو اختراع اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية، عملا جبارا كان في عرف علماء عايشوا الشعار معجزة عصر الذرة والفضاء.

عاش الشعار مناضلاً.. حارب الفقر والعوز والخوف والألم، ووقف في وجه الموت متحديا ومؤمنا يستمهله بعض الوقت بشجاعة وإيمان وثقة بالنفس، واستطاع قبل أن يستشهد في حلبة الصراع المرير مع المرض أن يقدم للعالم اختراعا يحمل اسمه وشجاعته وإيمانه..يعطي به إخوانه بني الإنسان الشجاعة والأمل لمجابهة مرض القلب، وهذا الجهاز هو Shaar Actuator Controller – Artificial Heart، الذي يعني: جهاز شعار لضبط الحركة الذاتية في القلب الاصطناعي، وقد  سجل الاختراع تحت الرقم 5490.

قالت جريدة "ذي تيدنغر" الأميركية في عددها الصادر الجمعة 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1969 عن الشعار إنه "رجل يقترض الوقت من الموت .. إنه يعرف إلى أي  مدى يمكن أن تصل نفس الرجل من الشجاعة، ويعرف مدى عمق التجاوب الإنساني مع إنسان في حاجة إلى عون الآخرين .. إنه يتحسس قوة عرى الإخوة التي تربطه بأولئك الذين امتزج دمه بدمهم".

وتضيف: "دخلنا بيته فوجدنا في غرفة جلوسه جهاز قلب صناعي، ومكتبة عامرة بالكتب العلمية، بينها في مكان بارز كتاب (رحلة روح) لمؤلفه بوب جونز Pope Johns، وهناك أيضا لعبة لطفلة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات"، قائلة:" إن سمير رب لعائلة مؤلفة من ثلاثة أشخاص تستعين على شؤون معيشتها بمنحة تقدمها المؤسسة الوطنية للصحة، إلى الجامعة التي يتعلم فيها، وهذه بدورها توزعها بين المتفوقين، وسمير كان من أبرزهم وأوفرهم حظا".

 في وصف جهاز القلب الصناعي تقول الصحيفة: "انه جهاز مصغر لقلب صناعي يوضح الأسس الميكانيكية لعمل القلب، فإذا نجح (والكلام في سنة 1969) كان عضوا آليا فاعلاً، وإذا لم ينجح فسيكون جهازاً يساعد طلاب الطب على تفهم ديناميكية القلب".

عن الشعار، قالت شركة "موغ" Moog، التي كلفها سمير بتنفيذ الاختراع صناعياً، في كتابها المؤرخ في 5 أيار/ مايو 1972:"في تموز/ يوليو 1971 اتصل الدكتور سمير الشعار بشركة Moog مقدما اقتراحا لمشاركته في إنتاج جهاز مساعد للقلب Heart Assist Device Implantable،  وكانت فكرة طموحه تطورت إلى فكرة جهاز قلب مساعد يستخدم في عمليات فتح القلب، على أن يجري تطوير هذه النظرية لتصبح أكثر قبولا لدى الجراحين وتؤدي في المستقبل إلى تحقيق زراعة القلب".

في السياق ذاته، قال الدكتور جورج ايبايكي في كتاب التعزية، وهو طبيب مسؤول في جامعة كاليفورنيا الجنوبية: "لا أستطيع وصف الصدمة والأسى اللذين وقعا علي عندما عرفت بوفاة سمير، وكما تعلمون عرفته منذ عدة سنوات منذ أن استأنف دراسته، ولا أزال اذكر مشيته عندما رأيته لأول مرة، إذ كان يقف ويسير على غير ارتكاز فقد كان جسمه خاضعا لتقنين منهك، وكم كنت شديد الإعجاب بشجاعته وتصميمه على النجاح.. إني اعتقد أنه كان أعظم من عرفت في حياتي من الناس بقوة شخصيته.. إنها قوة مستمدة من التغلب على مصاعب لم يكن ليقف أمامها أي مخلوق سواه".

 ويضيف الدكتور جورج ايبايكي :"كان حديثي معه في اللقاء الأخير بيننا عن المحاضرات العلمية التي كان يعدها للإلقاء في ولاية كاليفورنيا، واعتقد أنه كان يبدو أكثر قوة ونشاطا من أي وقت مضى.. كان لقائي به فرصة افتخر بها".

بدوره، قال  أستاذ الجراحة في جامعة يوتاه الدكتور ولام كولبوهو، في كتاب توصية موجه إلى مؤسسة إنتاج القلب الصناعي والرئتين: "إن الدكتور سمير الشعار حصل على شهادة كمستشار، وقد وضع تصميماً لجهاز القلب الاصطناعي، ثم استمر بعد الدكتوراه في هندسة الطب الحياتي في العام 1970، وكانت أطروحته بعنوان (التنظيم الآلي للقلب المعزول)، وعمل بعد ذلك لمدة ستة اشهر مع شركة الطائرات النفاثة Aerojet General في ولاية كاليفورنيا كمستشار، كما وضع تصميماً لجهاز القلب الصناعي ثم استمر بعد ذلك بتطوير المنظم الآلي الذي سيشكل حلقة الوصل بين جهاز الطائرات النفاثة والمضخة التي طورتموها الكترونيا".

ويضيف كولبوهو:" طلبت من الدكتور الشعار إلقاء محاضرة في احد اجتماعاتنا ففعل، كما أني شاهدت تصميمه للمنظم الآلي، وكان حسب اعتقادي يستحق التقدير، فالمذكور عبقري وعلى جانب عظيم من فهم عمله.. إني أقدم مع كتابي صورا متعددة لتصميم الإنجاز العلمي الذي وضعه السيد الشعار، لدرسه أو لعرضه، فمما يبدو أن السيد الشعار يمكنه أن يقدم ما فيه الكفاية..لقد تعاقد مؤخرا مع جامعة كاليفورنيا الجنوبية لتعليم كل ما يتعلق بالقلب الصناعي، إني أوصي بأن تحاولوا الاستفادة من هذا الرجل العبقري".